جون سيرل ومشكلة الوعي؛ من غموض الدلالات إلى غلو الإفتراضات

   بعدما أشار سيرل إلى غموض معنى الوعي وصعوبة تعريف مفهومه، سيشير إلى مسألة مُهمّة، مفادها أن لا نُسلّم دائما بالمتداول والشائع، أو ننطلق بشكل مباشر، وبتسرّع وعجالة، لتقديم الأجوبة عن الإشكالات أو الأسئلة المطروحة، وإنما علينا بادئ ذي بدء أن نسائل السؤال، ونُمحّص بدقّة ما يتوارى خلفَه من افتراضات، وما يحمله من مضمرات خاطئة، أو على الأقل غير واضحة، وغيرها من مطبّات وعوائق تقف أمام الفهم السليم. وعليه، في معرض مناقشته لافتراضات وأخطاء المقاربات التي تطرقت لمشكلة الوعي، وكشف أدواتها المنهجية ومفاهيمها المستعملة، ينبهنا على نهجه التحليلي إلى أن هناك الكثير من الأسئلة التي أرهقت عقول الكثيرين ممن حاولوا الإجابة عنها بدون جدوى، لكونها أسئلة خاطئة ببنيتها ومضمراتها وأحكامها المسبقة، فكان الأحرى فحصها وتبيان خطئها، قبل التفكير في الإجابة عنها. هكذا، حينما نسأل هل الوعي مادي أم عقلي؟ يجب أولا أن نستفسر عن معنيي مفهومي "مادي" و "عقلي"؟ لأن استعمال المفاهيم بمعانيها القديمة والتسليم بكونها واضحة لتداولها وشيوعها، بمثابة اعتناق ضمني لأحكام جاهزة توجه التفكير نحو وجهات معينة، هي ليست بالضرورة صحيحة، وهو ما دأب فلاسفة كثيرون عليه. ومنه، علينا أن نتخلّى عن المفاهيم الكلاسيكية والشائعة المتوارثة في مجمل المجالات التي اهتمت بدراسة الوعي، ونتجاوز مسبقات التفكير فيه والافتراضات الخاطئة حوله، عسانا نُحصّل فهما أفضل للمشكلة، ونقترح الأجوبة المناسبة لها، والحلول التي تتماشى مع نتائج العلم، ولا تحيد عن التصور العلمي للعالم.

   كلمات مفاتيح:جون سيرل، وعي، عقل، جسد، مادي، مجرد، بيولوجي، استبطان، مقاربة.